الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
عن جابر؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل عن النشرة؟ فقال: * تعريف النشرة: في اللغة؛ بضم النون: فعلة من النشر، وهو التفريق. وفي الاصطلاح: حل السحر عن المسحور. لأن هذا الذي يحل السحر عن المسحور: يرفعه، ويزيله، ويفرقه. أما حكمها؛ فهو يتبين مما قاله المؤلف رحمه الله، وهو من أحسن البيانات. ولا ريب أن حل السحر عن المسحور من باب الدواء والمعالجة، وفيه فضل كبير لمن ابتغى به وجه الله، لكن في القسم المباح منها. لأن السحر له تأثير على بدن المسحور وعقله ونفسه وضيق الصدر، حيث لا يأنس إلا بمن استعطف عليه. وأحيانًا يكون أمراضًا نفسية بالعكس، تنفر هذا المسحور عمن تنفره عنه من الناس، وأحيانًا يكون أمراضًا عقلية؛ فالسحر له تأثير إما على البدن، أو العقل، أو النفس. * * * قوله في (عن النشرة). أل للعهد الذهني؛ أي: المعروفة في الجاهلية التي كانوا يستعملونها في الجاهلية، وذلك عن طريق من طرق حل السحر، وهي على نوعين: الأول: أن تكون باستخدام الشياطين، فإن كان لا يصل إلى حاجته منهم (هي من عمل الشيطان). رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود [الإمام أحمد في (المسند) (3/294)، وأبو داود: كتاب الطب/باب في النشرة، والحاكم في (المستدرك) (4/420)، وصححه ووافقه الذهبي. قال الحافظ في (الفتح) (10/233): (إسناده حسن).]، وقال: (سُئل أحمد عنها؟ فقال: ابن مسعود يكره هذا كله). إلا بالشرك؛ كانت شركًا، وإن كان يتوصل لذلك بمعصية دون الشرك؛ كان لها حكم تلك المعصية. الثاني: أن تكون بالسحر؛ كالأدوية والرقى والعقد والنفث وما أشبه ذلك؛ فهذا له حكم السحر على ما سبق. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس، أنهم يضعون فوق رأس المسحور طشتًا فيه ماء ويصبون عليه رصاصًا ويزعمون أن الساحر يظهر وجهه في هذا الرصاص؛ فيستدل بذلك على من سحره، وقد سئل الإمام أحمد عن النشرة، فقال: إن بعض الناس أجازها، فقيل له: إنهم يجعلون ماء في طشت، وإنه يغوص فيه، وإنه يبدو وجهه، فنفض يده وقال: ما أدري ما هذا؟ ما أدري ما هذا؟ فكأنه رحمه الله توقف في الأمر وكره الخوض فيه. قوله: (من عمل الشيطان)؛ أي: من العمل الذي يأمر به الشيطان ويوحي به؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء ويوحي إلى أوليائه بالمنكر، وهذا يغني عن قوله: إنها حرام، بل هو أشد؛ لأن نسبتها للشيطان أبلغ في تقبيحها والتنفير منها، ودلالة النصوص على التحريم لا تنحصر في لفظ التحريم أو نفي الجـواز، بل إذا رتبت العقوبات على الفعل كان دليلًا على تحريمه. قوله: (رواه أحمد بسند جيد وأبو داود). سند أبي داود إلى أحمد متصل؛ لأنه قد حدثه وأدركه. قوله: (فقال: ابن مسعود يكره هذا كله). أجاب رحمه الله بقول الصحابي، وكأنه ليس عنده أثر صحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، وإلا لاستدل به. والمشار إليه في قوله: (يكره هذا كله) كل أنواع النشرة، وظاهره: ولو كانت على الوجه المباح على ما يأتي، لكنه غير مراد؛ لأن النشرة بالقرآن والتعوذات المشروعة لم يقل أحد بكراهته، وسبق أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يكره تعليق التمائم من القرآن وغير القرآن. وعلى هذا؛ فالكلية في قول أحمد: (يكره هذا كله) يراد بها النشرة التي من عمل الشيطان، وهي النشرة بالسحر والنشرة التي من التمائم. وقوله: (يكره). الكراهة عند المتقدمين يراد بها التحريم غالبًا، ولا تخرج عنه إلا بقرينة، وعند المتأخرين خلاف الأولى؛ فلا تظن أن لفظ المكروه في عرف المتقدمين أوكلامهم مثله في كلام المتأخرين، بل هو يختلف، انظر إلى قوله تعالى: * * * وفي (البخاري) عن قتادة: قوله: (رجل به طب). أي: سحر، ومن المعلوم أن الطب هو علاج المرض، لكن سمي السحر طبًا من باب التفاؤل، كما سمي اللديغ سليمًا والكسير جبيرًا. قوله: (أو يؤخذ عن امرأته). أي: يحبس عن زوجته؛ فلا يتمكن من جماعها، وهوليس به بأس، وهذا نوع من السحر. والعجيب أنه مشتهر عند الناس أنه إذا كان عند العقد، وعقد أحد عقده عند العقد؛ فإنه يحصل حبسه عن امرأته، وبالغ بعضهم؛ فقال: إذا شبك أحدهم بين أصابعه عند العقد حبس الزوج عن أهله، وهذا لا أعرف له أصلًا. ولكن كثيرًا ما يقع حبس الزوج عن زوجته ويطلبون العلاج. وقد ذكر بعض أهل العلم أن من العلاج أن يطلقها، ثم يراجعها؛ فينفك السحر. لكن لا أدري هل هذا يصح أم لا؟ فإذا صح؛ فالطلاق هنا جائز؛ لأنه طلاق للاستبقاء، فيطلق كعلاج، ونحن لا نفتي بشيء من هذا، بل نقول: لا نعرف عنه شيئًا. و(أو) في قوله: (أو يؤخذ) يحتمل أنها للشك من الراوي: هل قال قتادة (به طب) أوقال: (يؤخذ عن امرأته)؟ أي: أوقلت: يؤخذ، ويحتمل أن تكون للتنويع، أي أنه سأله عن أمرين: عن المسحور، وعن الذي يؤخذ عن امرأته. قوله: (أيحل عنه أو ينشر). لا شك أن (أو) هنا للشك؛ لأن الحل هوالنشرة. قوله: (لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح). كأن ابن المسيب رحمه الله قسم السحر إلى قسمين: ضار، ونافع. فالضار محرم، قال تعالى: ولكن على كل حال حتى ولوكان ابن المسيب ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز؛ فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزًا في حكم الله حتى يعرض على الكتاب والسنة، وقد سُئل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان) [تقدم (ص 553).]. وروي عن الحسن؛ أنه قال: قال ابن القيم: (1) قوله: قوله: (قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور ...) إلخ. هذا الكلام جيد ولا مزيد عليه. * * * الأولى: النهي عن النشرة. الثانية: الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه مما يزيل الإشكال. * الأولى: النهي عن النشرة. تؤخذ من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * الثانية: الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه. تؤخذ من كلام ابن القيم رحمه الله وتفصيله. * إشكال وجوابه: ما الجمع بين قول الفقهاء رحمهم الله يجوز حل السحر بالسحر، وبين قولهم يجب قتل الساحر؟ الجمع أن مرادهم بقتل الساحر من يضر بسحره دون من ينفع؛ فلا يقتل، أوأن مرادهم بيان حكم حل السحر بالسحر للضرورة، وأما الإبقاء على الساحر؛ فله نظر آخر، والله أعلم. * * *
|